سورة الرعد - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


وما تغيض الارحام: ما تنقص غاض: نقص وغاب. عالم الغيب والشهادة: الغيب كل ما هو غائب عنا، والشهادة: الحاضر المشاهد. المتعالي: المستعلي على كل شيء. سارب: ذاهب على وجهه، ويقال سرب في حاجته. معقبات: ملائكة يحفظونه. من وال: من ناصر.
الله يعمل ما تحمله كل انثى في غيابات الأرحام من ذَكرٍ أو أنثى، واحداً أو اكثر، وما تنقصه تلك الارحام من خلوِّها من الولد، وما تزداد بولادتها وقتاً بعد آخر.. كلُّ شيء عنده بقَدْرٍ معلوم وله زمان معلوم.
{عَالِمُ الغيب والشهادة الكبير المتعال}.
هو الذي يعمل ما احتجَبَ وغاب عن حِسِّنا، كما يعمل ما نشاهده في حاضِرنا عِلماً أعظمَ مما نشاهد ونرى، وهو سبحانه الكبيرُ العظيمُ المستعلي على كل شيء.
قراءات:
قرأ ابن كثير: {المتعالي} باثبات الياء.
ثم بين الله تعالى ان عِلْنه شاملٌ لجميع الأشياء فقال: {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بالليل وَسَارِبٌ بالنهار}.
ان عِلْمَه شاملٌ لكلّ شيء في هذا الوجود، يعلَم كلَّ أحوالِكم وأقوالكم في حياتكم، ومن أسرَّ القولَ أو جَهَر به عندَه، سواءٌ، لأنه يعلم استخلفاءَكم باللَّيل، وظهروكم بالنهار.
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ....}.
كل واحدٍ من الناس له ملائكة تحفَظه بأمرِ الله، وتتناوبُ عل حفظه في كل حال.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
ان الله تعالى لا يغير النعمة علة قوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهِم، وكذلك لا يغير ذلة أو مهانة الا ان يغير الناس من اعمالهم وواقع حياتم، وأكبر دليلٍ على ذلك واقُعنا اليوم من تفكّك وتمزق... فنحن العربَ والمسلمين نملك اكبر ثروة في العالم، ونعيش على أعظم بقاع الأرض، ومع ذلك نعاني من الذل والفقر والمرض والجهل وكل ذلك بسبب تردي أحوالِنا وبُعدِنا عن ربّنا، وفي ذلك عبرة كبيرة لنا.
{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.
اذا أراد اللهُ ان يُنزلَ بقومٍ ما يسوءهم فليس لهم ناصرٌ يحمِيهم من أمْرِه، ولا من يتولّى امورَهم فيدفع عنهم ما ينزل بهم.


شديد المحال: شديد القوة والكيد. الضلال: جمع ظل وهو خيال الشيء. الغذو: اول النهار. الآصال: جمع اصيل، وهو ما بين العصر والمغرب.
{هُوَ الذي يُرِيكُمُ البرق خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئ السحاب الثقال}.
ان آثاره قدرةِ الله في الكون ظاهرة، والبرقُ من هذه الظواهر الكونية العجيبة، فهو الذي يسخّر البرقَ فيخافه بعضُ الناس خشية الضرر على محصوله من نزولِ المطر أو ما يترتّب عليه من الصواعق، ويطمع فيه بعضُهم رجاءَ نزول الغيث لسقي الزرع.. فبعضهم يخاف وبعضُهم يطمع في الخير من ورائه، والله تعالى هو الذي ينشء السحابَ المملوءة بالأمطار فيغيث بها الزرعَ والضرع.
{وَيُسَبِّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصواعق فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله وَهُوَ شَدِيدُ المحال}.
ويسبِّح الرعدُ بدَلالتِه على وحدانية الله بحمدِه وتقديسه، فهذا الصوتُ المدوِّي في السماوات إنما هو حمدٌ وتسبيحٌ بالقدرةٍ التي صاغت هذا النظام، ويسبِّح الملائكةُ الكرامُ من هيبته وجلاِله. ثم تتم الصورةُ الرهيبة المشمولة بالرهبة والابتهار والبقرِ والرعدِ والسحابِ الثقال، بإرسال الصواعق، فيُصيب الله بها من يشاء.
ومع كل هذه الآيات والظواهر الكونية العجيبة يجادلُ الكفّار في شأن الله ووحدانِته وتفرُّدِه بالمُلْك، وهو سبحانه لا يغالب، فهو شديدٌ في عقوبة من طغى عليه وتمادى في كفره.
روى الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنَّسائي عن ابن عمر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعَ صوتَ الرعد والصواعق يقول: اللهمَّ لا تقتلْنا بغضَبك، ولا تُهلكنا بعذابك وعافِنا قبلَ ذلك».
{لَهُ دَعْوَةُ الحق والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المآء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}.
المشرِكون المعاندون يجادلون في الله وينسبُون إليه شركاءَ يدْعونهم معه، ودعوةُ الله هي وحدَها الحق، وما عداها باطلٌ ذاهب. وفي هذا وعيدق للكفار على مجادَلَتهم الرسولَ الكريمَ في الله. هذا ما ان الّذين يدعونهم من الآلهة المزيَّفة من دونِ الله لا يَستجيبون دعاءَهم ولا يُنجِدونهم بشيء، ومثلُهم في ذلك كَمَن يبسُط كفّيه ليأخذَ بهما ماءً إلى فمه، وهياتً ان يحصَل على شيء.
{مَا دُعَآءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}. في ضياعٍ وخسارة بدون فائدة.
ثم بيَّن الله تعالى عظيم قدرته فقال: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بالغدو والآصال}.
في الوقت الذي يتّخذ الجاحدون آلهة من دون الله، ويتوجَّهون إليهم بالرّجاءِ والدعاء، نرى كلَّ من في هذا الكون يخضعُ لإرادته ويعنُون لعَظَمته من أناس وجِنّ وملائكةٍ طائعين أو كارهين، حتى ظِلالُهم خاضعةٌ لأمرِ الله ونَهْيِهِ في جميع أوقات النهار، وفي هذا تعميم لكل شيء.
عند قراءة هذه الآية يُسَنّ للقارئ والمستمع ان يسجد.


زبدا: هو ما يطفو على وجه الماء كالرغوة. رابيا: منفخا عاليا. جفاء: الجفاء هو كل ما رمى به الوادي من زبد وفتات الاشياء مما لا نَفْعَ فيه. بئس المهاد: بئس القرار.
{أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً}.
في هذه الآية ضرب الله مثلَين الأول هنا وهو المقارنةُ بين الماء الذي يمكثُ في الأرض وينتفع الناس به من سقي الزرعِ والشجر والشُّرب وما فيه من الخير للناس، وبين الزَبَد الذي يعلو على وجه الماء وليسَ فيه نفعٌ.. وهي مقارنةٌ بين الحق والباطل.
والمعنى أن الله تعالى أنزلَ عليكم من السماءِ غيثاً تسيل به الوديانُ والأنهار، كلُّ بالمقدارِ الذي قدّره اله تعالى لفائدةِ الناس، وهذا السيولُ في جَرَيانها تحملُ ما لا نفع به من الزبَد الذي يعلُو سطحها.
والمثل الثاني أيضا للمقارنة بين الحقّ والباطل قولُه تعالى: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ}.
كذلك المعانُ الّتي تُذيبونها في النارِ من ذَهَب أو فضةٍ أو نحاس وغيرِها مما تصنعون منها حِليةً أو آلةً أو آنيةً فإن المعدنَ يبقى لمنفعة الناس. وما فيه من زبد وخَبَثٍ يذهب، فالحقُّ كالمعدنِ النافع، والزَبدُ كالباطل.
{كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل}.
يعني أن الحقَّ مثلُ الماءِ النافع الذي يمكث في الأرض والمعدن المفيدِ للناس، والباطلَ مثلُ الزَبِد الذي يطفو على سطحِ الماء لا نفع فيه، وهذا معنى قوله تعالى: {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض}.
كذلك الامر في العقائد، منها ما هو ضلالٌ فيذهبُ، ومنها ما هو صِدق فيبقى.
{كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال}.
وبمثلِ هذا يبيّن اللهُ سبحانَه للناسِ ما أشكلَ عليهم من أمورِ دينهم وتظهرُ الفوارقُ بين الحقّ والباطل.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وحفص: {يوقدون} بالياء، والباقون: {توقدون} بالتاء.
وبعد أن بين الله تعالى شأن كل من الحق والباطل، شرع يبين حال أهل الحق والباطل وما يؤول اليه حالهم ترغيبا، فقال: {لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أولئك لَهُمْ سواء الحساب وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد}.
فمن أطاع اللهَ ورسولَه وانقاد لأوامره فلهم العاقبةُ الحُسنى في الدنيا والآخرة، ومن لم يجبْ دعوةَ الله ولم يطع أوامره فلهم العاقبةُ السّيئة. ولو ان لهم مُلْكَ ما في الأرض ومثلَه معه وقدّموه قِديةً لما نفعَهم أو دفع عنهم العذاب، ومصيرهم جهنم وبئس القرار.

1 | 2 | 3 | 4